قبل نحو عقدين من الزمن، كان أمل مرضى السرطان في العلاج يعتمد بشكل رئيسي على الجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاعي، وسط توقعات محدودة وفرص ضئيلة للنجاة، خاصة في الحالات المتقدمة، لكن في السنوات الأخيرة، تغير المشهد الطبي بصورة جذرية بفضل الطفرة العلمية التي أحدثها “علم المناعة الورمي”، الذي بات اليوم يشكل خط الدفاع الأول ضد العديد من الأورام الخبيثة ووفقا لـhealthline نرصد كل المعلومات عن الطفرة العلمية.
من البدايات المتواضعة إلى آفاق جديدة
حينما بدأ الدكتور سميك رويتشودري، الحاصل على درجة الدكتوراه في الطب، مشواره البحثي في مجال الأورام خلال مطلع الألفية الجديدة، كان علم المناعة الورمي لا يزال في مراحله الأولية، ولم يكن أحد يتوقع أنه سيصبح يومًا ما من أكثر التخصصات الواعدة في علاج السرطان.
ومع غياب النتائج الملموسة حينها، أصر رويتشودري وزملاؤه على مواصلة أبحاثهم، مدفوعين بإيمان عميق بأن الحل يكمن في فهم أدق لطبيعة الجهاز المناعي.
يتذكر رويتشودري تلك المرحلة قائلًا: “كنا نبحث عن علاج محدد يستهدف الخلل بدقة، وليس عن حل عام لكل الحالات”، وجاء عام 2003 ليشكل نقطة تحول كبرى، مع اكتمال مشروع الجينوم البشري الذي مكن العلماء من فك الشفرة الوراثية للأورام والتعرف على الطفرات الجينية المسؤولة عن نموها، ويشبه رويتشودري هذه المهمة بأنها أشبه بالبحث عن “إبرة في كومة قش”، لكنها كانت بداية لاكتشاف مسارات علاجية جديدة.
أبحاث مبتكرة ونتائج واعدة
بفضل التعاون المثمر بين باحثين من مؤسسات علمية كبرى وشركات دوائية متخصصة، تمكن فريق رويتشودري من رصد طفرات جينية دقيقة في الخلايا السرطانية، وهو ما أتاح لهم تطوير علاجات مناعية قادرة على تفعيل الجهاز المناعي لملاحقة الخلايا المصابة التي كانت تختبئ ببراعة عن العلاجات التقليدية.
هذه الأبحاث تم تطبيقها في إطار تجارب سريرية متقدمة بمركز السرطان الشامل التابع لجامعة ولاية أوهايو، والمعروف باسم “OSUCCC – James”، حيث يشرف مختبر علم المناعة الورمي على متابعة المرضى واستحداث بروتوكولات علاجية متطورة.
يوضح رويتشودري: “نعتمد على خصائص الجهاز المناعي، مثل الذاكرة المناعية والقدرة على التكيف، لنقدم حلولًا علاجية موجهة وفعالة. كل مشروع بحثي، وكل تجربة سريرية، وكل مقال علمي نقوم به، ينطلق من احتياجات المرضى ويهدف في النهاية إلى تحسين فرص شفائهم”.
روح العمل الجماعي، وولادة معهد متخصص
ليست الجهود في مختبر رويتشودري وحدها من تقود مسيرة التقدم، بل هناك تعاون واسع بين فرق متعددة التخصصات في كافة أرجاء مركز “OSUCCC – James”. يعمل الأطباء، والباحثون، وخبراء علم الأحياء الدقيقة، وأخصائيو العلاج المناعي، جنبًا إلى جنب مع المرضى، في بيئة بحثية تطبيقية فريدة.
هذا الحراك العلمي أدى إلى إنشاء “معهد بيلوتونيا لعلم المناعة الورمي”، الذي أصبح من أبرز المراكز العالمية في هذا التخصص، ويعلق الدكتور زيهاي لي، المدير المؤسس للمعهد، قائلًا: “نحن نقترب يومًا بعد يوم من فك شيفرات الجهاز المناعي بشكل أعمق، ونستخدم هذه المعرفة لاستهداف نقاط الضعف في الخلايا السرطانية. نجاحنا الحقيقي يتمثل في نقل هذه الاكتشافات من المختبر إلى السرير العلاجي”.
إنجازات ملموسة في مواجهة أخطر أنواع السرطان
من بين أكثر النجاحات التي حققتها العلاجات المناعية مؤخرًا، يأتي سرطان الرئة في الصدارة، والذي لطالما كان من أكثر الأنواع فتكًا عالميًا، ويشير الدكتور ديفيد كاربون، أحد قادة الأبحاث في المركز، إلى تطورات لافتة: “شهدنا حالات تعافت بشكل شبه كامل من سرطان الرئة بفضل المعالجة المناعية، وكثير من هؤلاء المرضى استعادوا نمط حياتهم الطبيعي، دون الحاجة إلى أي علاج إضافي، ولسنوات متتالية. هذا تقدم لم نكن نحلم به من قبل”.
مستقبل واعد… وأمل متجدد للمرضى
بات واضحًا اليوم أن علم المناعة الورمي لم يعد مجرد فرع من فروع الطب التجريبي، بل أصبح جزءًا أصيلًا من استراتيجية علاج السرطان عالميًا، وبفضل التقدم المستمر في فهم تفاعلات الجهاز المناعي مع الأورام، يأمل الباحثون أن يحمل المستقبل مزيدًا من الخيارات العلاجية الآمنة والفعالة لمرضى السرطان حول العالم.
أخبار متعلقة :